الحلقة الثانية - عندما يغيب العدل (رواية على حلقات)



بقلم أحمد كامل
                     
بدأت السيارة طريقها ولم تتوقف مكالمات"عماد" طوال الطريق ، وكان واضح عدم إكتراثه بأي شئ ربما للسلطة التي يحوزها ، أو العائلة (الواصلة) التي ينتمي إليها ، وكانت أغرب مكالمة أجراها إستمعنا لها ونحن صامتون وكأن على رؤوسنا الطير ، فقد أخذ يتوسط لأحد المحبوسين على ذمة إتجار بالمخدرات بقسم باب شرق بالأسكندرية ، وأخذ يضغط على معاون النيابة المسئول أن يفرج عن المتهم في اليوم التالي ، وأن يحول توصيف القضية لتعاطي وليس إتجار ، إستمعنا جميعاً لتفاصيل المكالمة مذهولين مما يحدث ، أنا شخصياً تساءلت في بالي هل هذا الشخص متهور أم غبي ، كيف يجري ذلك النوع من المكالمة بميكروباص ليصبح هناك شهوداً على ما يقترفه من جريمة في حق الوطن ، وفي حق المنصب الرفيع الذي يحوزه ، ولشدة ذهولي تجاوزت المكالمة الجريمة الواحدة لتصبح متعددة الجرائم ، بعد أن ذكر "عماد" معاون النيابة على الجانب الآخر من الخط بالواجب الذي سبق وقام به معه ، ولتستمر حالة الذهول مسيطرة علينا كان الواجب هو قطعة سلاح آلي حضر به "عماد" لفرح أخت "وليد" معاون النيابة الآخر ، وبعد تبادل بعض عبارات المديح المتبادل مع الطرفين ، وعد وليد عماد بتنفيذ طلبه وإقفال قضية تاجر المخدرات في اليوم التالي ، وإطلاق سراحه من سراي النيابة بكفالة بعد أن يقبل دفوع المحامي بإنها قضية إتجار ، في تحقيق سيكون شكلي ولتزداد الصورة سواداً أمامي لم تنتهي المكالمة إلا بمطالبة "وليد" لعماد بإحضار قطعة سلاح آلي أخرى ولكن على سبيل الهدية وليس الإعارة تلك المرة ، وهو ما قابله "عماد" بالموافقة ، للحظات شعرت إنني أحلم أو وإنتابتي بعض الأفكار للحظات ، حيث إنني فكرت أن هذا الشخص المدعو "عماد" ليس معاوناً للنيابة ، وإنه يفبرك تلك المكالمات لجذب أنظار "غدير" ملكة جمال الرحلة  ، ربما لو تتطور الأمور بعد ذلك لعشت حياتي كلها مقتنعاً إنها الحقيقة لا ريب .
أثناء السائق ما كان ينهب الطريق نهباً ويسابق الزمن ، لتعويض التأخير الذي تعرضنا له أثناء تحميل السيارة ، لم يضيع "عماد" وقتاً وبعد أن أنهى مكالمته مع "وليد" ، بدأ مكالمة أخرى لتكون أغرب من سابقتها ليستمر صمت القبور الذي يخيم على ركاب السيارة ،  فقد قام "عماد" بمهاتفة الشخص الذي وسطه لإخراج تاجر المخدرات وكان يدعى "سمير" ، وعلى الرغم إنه حتى هذه اللحظة كانت تنتابني الشكوك التي ذكرتها سابقاً ، بأن تلك المكالمات مفبركة لجذب الإنتباه إليه ليس أكثر ، إلا أن سيناريو المكالمة كان مقنعاً للغاية ، لتتحطم معه آمالي أن ما سمعته سالفاً ليس إلا كابوس أو مزحة ثقيلة .
فقد تحدث "عماد" وهو يملؤه الزهو والخيلاء مع واسطة الخير قائلاً :
 يا حاج "صفوت" كله تمام والراجل بكرة حيفرج عنه بكفالة ، بس إنت إبعت المحامي بتاعك وفهمه إنه يطلب الإفراج عن "سمير" بكفالة ، وأن الكمية المضبوطة معه لإستخدامه الشخصي ، كل دي شكليات يا حاج بس لازم تتم عشان الموضوع يتقفل .
وأجابه "صفوت" :
كتر خيرك يا "عماد" بيه والله الراجل مظلوم وفعلاً هو جايب المصلحة لدي لنفسه ، أصل "سمير" ده مزاجه عالي .
مصلحة إيه اللي جايبها لنفسه ده ممسوك بكمية مش شوية يا حاج ، وأنا إدخلت عشان خاطرك بس نصيحة ليك متتدخلش تاني في المشاكل دي .
كتر خيرك يا "عماد" باشا بس الحاجة دي فعلاً حاجته ن أصلك متعرفش "سمير" ده نزيه ويحب ينزه اللي حواليه .
عامةً المشكلة محلولة بس إبقى إفتكرهالنا ، ومتنساش تعزمنا في سهرة من سهراتك الحلوة .
معلوم تشرفنا إحنا أول ما يخرج "سمير" حنعمل حفلة على شرفك بس مش حتبقى أي حفلة .
عامةً تؤمرني بأي حاجة تاني .
منتحرمش منك يا باشا .
سلام .
سلام.
إنتهت المكالمة وبالطبع جاء في خاطري إما أن هذا المدعو "عماد" يستحق جائزة الدولة التقديرية في التأليف ، أو أن كل ما حدث مهما كان غريباً وعجيباً فهو ليس إلا الحقيقة للوضع المزري الذي وصل إليه حالنا ، إنهمرت الأفكار على رأسي وكأي مواطن مصري أصيل ، قررت أن أستخدم أكبر مهارة علمتها إيانا وطننا الحبيب مصر ، مهارة (التطنيش) ، وعلى الفور تجاهلت رفيق طريقي علي وتصنعت النوم .



0 التعليقات:

أضف الموضوع لحسابك