الحلقة الأولى - عندما يغيب العدل (رواية على حلقات)



بقلم أحمد كامل
الفصل الأول
كان العمل مرهقاً لأشد الحدود في ذلك اليوم ، كان اليوم الأول لي في العمل وكنت قد تنقلت بين عدة مراكز بمحافظة البحيرة لإستلام العملاء من الموظف القديم بالشركة ، تنقلت بين كفر الدوار وأبوحمص وبرنوب أحد القري المجاورة لحوش عيسى ، وإيتاي البارود وكوم حمادة وأحد القرى المجاورة لها لا أذكر اسمها ، كان يلازمني في هذا اليوم علي موظف خدمة العملاء ، ومنذ اللحظة الأولى الذي تعرفت عليه بها بمقر الشركة أثناء إستلامي العمل أدركت كما هو إنسان بسيط ، واضح إنه يملؤه الحماس ، به بساطة الفلاح البسيط ولكن توقعت إنه ربما يعمل للمرة الأولى في حياته ، كان يشعر إنيي قدمت لأنتزع من صلاحياته ، لكنه أخفى ذلك بحفاوة من الإستقبال .
تعبنا أنا و"علي" في هذا اليوم أيما تعب ، فمقابلة العملاء ومناقشة مشاكلهم التي لم تحل على مدار أشهر سببت إرهاقاً شديداً ، والسفر بين أكثر من مدينة في محافظة مترامية الأطراف إستنزفتنا مادياً في اليوم الأول لإستلام العمل ، حتى خالجني شعور بالندم على قبول هذه الوظيفة ، وزاد الطين بلة فور دخولنا الموقف للعودة من السفر أن فوجئنا بصدمة إنه لا يوجد ركاب يريدون العودة للأسكندرية في هذا التوقيت المتأخر بالنسبة للأرياف ، فهذه المدن المعروف عنها المثل المصري تنام من المغرب ، ولم يتعدى عدد الركان عن ستة بينما العربة تحتاج سبعة عشرة راكب ، عرض علينا أن يتحمل كل راكب أجرة نفر ، رفضنا بإصرار فلا نمتلك سوى أجرتينا بالضبط تقريباً ، إنتظرنا وإنتظرنا وإنتظرنا ، وكان للإنتظار فائدة فقد تعرفنا على بقية الركاب عن طريق الإستماع لمكالماتهم الهاتفية على التي أجروها لقتل الوقت ، فهناك "محمد" المجند العائد لوحدته بعد أجازة قصيرة قضاها مع أهله ، وهناك "غدير" الكوافيرة الشهيرة التي كانت بمهمة عمل لبنت أحد أعيان القرية والذي قام بتوصيلها شخصياً حتى الموقف وحاسب لها على الكنبة الخلفية كاملةً ، ولفتت "غدير" أنظار جميع الرجال في الموقف فمن غير العادي أن تسافر بنت في هذا الوقت المتأخر بالنسبة لعادات قريتهم وحدها ، فما بالكم وهي ترتدي ملابس صارخة من بنطلون جينز ضيق ، وشعر مسشور ومصبوغ ومكياج كامل للوجه ، أما البلوزة فهي قصيرة وكلما نزلت من الباص أو طلعت يظهر ظهرها ، وفورا يميل الرجال على بعض ضاحكين متلمزين لبعضهم .
أما "ريم" وولدها الصغير "تامر" فهي مطلقة وكانت تستعيد ولدها تامر الذي حضر لزيارة صغيرة لوالده وجدته ، وكانت تشتكي في التليفون لشخص من مقابلة حماتها السابقة الفاترة لها ، وتتحجج إنها يجب أن تحسن مقابلتها لها وإلا ستتوقف عن إرسال "تامر" لهم والقانون في صفها .
وكان هناك "عماد" معاون النيابة الشاب الذي ينتمي لعائلة كبيرة من عائلات دمنهور ، والذي  كان على إتصال برئيسه وكيل نيابة المنشية عمرو ليقابله بدمنهور ، حيث أن عربته عطلت عطل مفاجئ وإضطر ليتركها عند الميكانيكي .
وبعد أن يئس الجمع من أن تكتمل العربية ، ورغبة منهم في الوصول لمنازلهم آمنين قرر كل واحد أن يدفع على حسب مقدرته أن يتحمل أجرة فرد أو فردين بالعربة ، والنصيب الأكبر كان من نصيب "غدير" و"عماد" ، بينما رفضنا أنا وعلي تحمل أي مبلغ فلم نكن نملك سوى عشرين جنيهاً ، فقد إستنزفنا السفر بين شرق البحيرة وغربها مادياً ، وتوكلنا على الله لتبدأ الرحلة التي تغيرت معها حياة كل من في السيارة للأبد .


0 التعليقات:

أضف الموضوع لحسابك